Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الكلمة هى لفظ ذات حدين ورسالة ذات ضدين ، فهي إما أن تكون شمس مشرقة، أو نار محرقة ، بل وهي دليل فاصل، أو سيف قاصل ، وهي صيب الغيث، أو سيء العيث ، ولكلمة نُبل واحترام، أو نَبل ذو اجترام ، وهي إما باعث السرور، أو نذير الثبور.

وإن للكلمة أهميتها في دين الإسلام، فقد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في النار دركات ، وبالكلمة رفع الله أقواما، وحط بها آخرين، بها عُدل من عُدل، وبها جُرح من جرح، فبالكلمة يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرق بين الحلال والحرام، وبها تنفذ الأحكام، وبها تُستحل الفروج، وبها تحرم .

وبها يجلد القاذف، وبها ينطق الشاهد، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنهى عن المنكر، وبها يقرأ القرآن، ويسبحُ الرحمن، وبها يجرح اللئيم، ويعدل الكريم، وبها تثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وبها تشتعل الحروب، وبها تتوقف، وبها يتم البيع وينفسخ.

وقيل أن لقمان كان عبدا حبشيا نجارا ، وأن سيده قال له : اذبح لي شاة ، قال : فذبح له شاة فقال : ائتني بأطيبها مضغتين ، فأتاه باللسان والقلب ، قال : فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ قال : لا ، فسكت عنه ما سكت ، ثم قال : اذبح لي شاة ، فذبح له شاة قال : ألق أخبثها مضغتين ، فألقى اللسان والقلب ، فقال له : قلت لك ائتني بأطيبها ، فأتيتني باللسان والقلب ، ثم قلت لك : ألق أخبثها مضغتين ، فألقيت اللسان والقلب ، قال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .

والكلمة النورانية الأنوق التي تخطها اليراعة، أو يلفظها ذوو البراعة في الدعوة والإصلاح ، فتنطلق مدبجة بمدى اللطف والجمال والرصانة والوسطية والاعتدال، في غير استهجان ولا ابتذال ، لتحقق من الهدى والخير، وتدفع من السوء والضير كل أمل ورجاء ، لأنها ما نبعت إلا من لوعة الفؤاد على هداية العباد، ونشر المرحمة بينهم، والتواد بأكرم عطاء وأزكى زاد

والكلمة أحلى من الرضاب، أو أنكى من العضاب، ورب قول أنفذ من صول، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني ، والكلمة الطيبة مطية الهداية والدعوة والإصلاح، وزناد الفكر والفلاح، وبها الإسلام عم وساد ودعا الشعوب وقاد، وإنها منارة توجيه وإرشاد، ورافد تعليم وبناء وإعداد.

وبالكلمة خرج إبليس من الجنة ، والكلمة الطيبة هى جواز سفر إلى القلوب، يهَش لها السمع، وتسر بها النفس، وينشرح لها القلب، فتبقي فيه أثرَها الطيب، وتنشر فيه أريجها الفواح، وتؤتي أكلها كل حين ، هي توثيق أواصر، وتقوية روابط، وتعزيز وشائج، ونشر وئام ، ورضوان من الله عز وجل .

والكلمة تتناول أدق القضايا وأعضلها ، فتجليها وتنسرب في النفوس ، فترقيها أو تشقيها ، لذلك حذر الشرع الحنيف من سقطات الألسن وحصائدها ولغوها ، ولخطورتها وأهميتها ، ترتبت عليها العقوبات والحدود في الإسلام، والتعازير والآثام على مجرد الكلام، من ذلكم كلمة التوحيد، وإبطال الكفر والتنديد، ولفظة النكاح أو الطلاق أو العتاق .

وإن الكلمة الربانية الغدقة، والمفردة المخلصة العبقة ، تبعث النفوس من أوحال الخمول والجهالة، ومواقع الزيغ والضلالة، وتنجيها من سباع شهواتها المغتالة، وتعتقها من الأفكار والمفاهيم القتالة ، وإن أكيس الناس من تكلم بعلم، أو سكت بحلم، ورحم الله رجلاً قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم، ولا غرو .

فكم كانت الكلمة مجلبة للأحقاد، ومثاراً للتنافر والعناد ، وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بآداب الكلام والحديث، فأمرت بحفظ اللسان ولزوم الصمت ولين الكلام، ولخطورة اللسان فقد ركزت الشريعة على آداب الكلام والمحادثة .

والكلمة المسئولة الندية، واللفظة الصادقة الوردية ، تهفو بالأرواح إلى جلائل الأمور بهمةٍ وأمل لا يتخللهما إثقال ولا فتور، وتلك هي الدعوة النافعة والحكمة الماتعة التي تسيم الأمة الإسلامية في مرابع العمل الصالح المبرور، وتؤكد بين أبنائها آصرة التآخي والحبور.

فحذارِ من استغلال الكلام في تصفية الحسابات، أو الطعون في الذوات والكفاءات، أو الانسياق وراء الأكاذيب والشائعات ، فقد قال الإمام الغزالي رحمه الله” فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخي العنان ، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى جرفٍ هار إلا من قيده بلجام الشرع، وكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله”.

وكما ندبت الشريعة الغراء إلى انتقاء الكلمة الطيبة الصالحة لما لها من الآثار العظيمة، والمنافع الكريمة ، نهت عن الكلمة الخبيثة الكالحة ، لأنها ميسم الخطر والرعونة، والبهت والزور والخشونة ، وكيف ومن هتك حرمة الكلمة، وأفلت أرسانها في الأعراض كالمقراض إلا وكانت معول هدم لا يستفيد منه إلا الشامتون بأمتنا .

وتحم صاحبها الغيبة التي تفسد القلوب بالشحناء، وأختها النميمة الهوجاء، والبهيتة الرعناء ، وللحفاظ على شرف الكلمة، معنى ومبنى دون السمسرة والاستهزاء والابتذال، والقرصنة والإثارة والاستغلال ، لزم تمكين مسالات الأقلام، ومخاطم الكلام الأكفياء الأمناء ذوي الأصالة والصدق، والابتكار والنبل والحكمة والاستبصار.

وقد يظن كثير من الناس أن الكلام الذي يخرج منه لا يحاسب عليه إلا إذا كان يحتمل الصدق أو الكذب أو شهادة أو يمين أو غير ذلك مما يترتب عليه ضرر أو أثر أو حكم ، وهذا فهم خاطئ لأن كل كلمة تتكلم بها ، أو لفظ تتلفظ به إلا ويكتب عليك خيرا كان أو شرا ، لذلك خصصت هذا العنصر لأنبه على هذا الخطر الجسيم الذي تقعون فيه كثيرا وأنتم لا تشعرون .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء، فلا يمُر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل.

وإعلم أن الله وكَّل عليك ملكين أحدهما عن يمينك موكل بكتابة الحسنات والآخر عن يسارك موكل بكتابة السيئات يرصدان أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك ، ويقول الله عز وجل فى الحديث القدسى ” يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك .

فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة ” ومن المعلوم أن الإنسان كثير الكلام ، وكلما كثر كلامه كثر لغطه ، فينبغي عليه أن يكثر من الاستغفار والتوبة في كل وقت وحين .

فقد يقع في لغو الكلام وباطله وخبيثه دون أن يشعر أو يلقي له بالا ، وهذا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة ، وقد غفر له ذنبه المتقدم منه والمتأخر ، ونحن أكلتنا الذنوب ولم نستغفر الله بالمرة .

فأبدلوا مجالسكم واجتماعاتكم بالكلم الطيب فهو سريع الصعود إلى الله ، فالكلمة الطيبة تنساب انسياب الهواء، فتعطر الأرجاء، وتطيب الأنحاء، وتلطف الأجواء، وتصعد إلى السماء، تجاوز السحب، وتشق الحجب، مشتاقة لربها، وإليه مستقرها ومستودعها ، فقال الله سبحانه وتعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *