Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

يجب على كل إنسان أن ييقن أن كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى وحده وأن أجله محدود ومعدود فما عليه إلا أن يستعد لهذذ اليوم الذي حتما سيسير فيه إلى ربه سبحانه وتعالى ، ويظل الرزق حبلا ممدودا بين السماء والأرض ، للبار والفاجر، والمؤمن والكافر، نعمة ورحمة يتفضل بها الله على الخلق أجمعين .

فلا إله إلا الله وحده، يختص بالرزق والتقدير، دون شريك ولا معين ، وسبحانه وبحمده، امتد رزقه فضلاً عن العقلاء، فرزق الطير في أوكارها، والسباع في جحورها، والحيتان في قاع بحارها، وشمل رزقه الدواب بأنواعها .

وفقضية الرزق من حيث الإيمان به جزء مهم من الاعتقاد في الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى تكفل للخلق بالرزق مهما كانوا وأينما كانوا، مسلمين أو كافرين، كبارا أو صغارا، رجالا أو نساء، إنسا وجنا، طيرا وحيوانا، قويّا وضعيفا، عظيما وحقيرا .

ويقول الله سبحانه وتعالى فى الحديث القدسى ” يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ” فقضية الآجال والأرزاق محسومة، لا يزاد فيها، ولا ينقص منها، ولن يموت حي حتى يستكمل ما له من رزق، وما له من عمر .

وتأملوا عظمة الله وإحسانه، وكمال قدرته، فالمخلوق الذي لا يحمل الرزق يُحمل إليه الرزق! والذي لا يملك قوت يومه أو غده ييسره الله له ، وإن الحديث عن الرزق حديث ذو أهمية بالغة، وخاصة في هذا الوقت الذي ضعف فيه إيمان كثير من الناس بربهم، وأن الرزق بيده، وأنه المتكفّل بالأرزاق، مما جعل اعتمادهم وللأسف على خلق مثلهم، يرجونهم أو يخشونهم على أرزاقهم.

ولنعلم أن أيام العمر وساعات الدهر كمراحل معدودة ، إلى وجهة مقصودة فلا بد مع سلوكها من انقضائها ، وبلوغ الغاية عن انتهائها وللنفوس مواعيد تطلب آجالها ، وللموت تغدو الوالدات سخالها وما نحن إلا كالركب ، فمن ذي منهل قصد يبلغه دانيا ، ومن ذي منزل شحط يلحقه متراخيا .

وقيل للحسن البصري: ما سر زهدك في الدنيا؟ فقال:علمت بأن رزقي لن يأخذه غيري فأطمأن قلبي له ، وعلمت بأن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به ، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن أقابله على معصية ، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله

والله عز وجل يعلم أن الأعمار مقدرة لآمادها ، والآجال مؤخرة لميعادها ، فلا استزادة ولا استنقاص ، ولا فوات ولا مناص والآجال آماد مضروبة ، وأنفاس محسوبة ولذلك استأثر الله بوجوب البقاء ، وآثر لخلقه صلة الوجود بالفناء والآجال بيد الله ، فإذا شاء مدها بحكمة وافية ، وإذا شاء قصرها بلطيفة خافية .

والنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته يوم الجمعة : ” يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم و إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم فإن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه و بين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه فليتزود المرء لنفسه و من دنياه لآخرته ومن الشباب قبل الهرم ومن الصحة قبل السقم فإنكم خلقتم للآخرة والدنيا خلقت لكم والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة و النار .

ويقول ابن كثير رحمه الله ” أن الغراب إذا فقس عن فراخه البَيض خرجوا وهم ِبيض، فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أياما، حتى يسود الريش، فيظل الفرخ فاتحا فاه يتفقد أبويه، فيقيض الله سبحانه وتعالى ، طيورا صغارا كالبرغش فيغشاه، فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفروا عنه، حتى إذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق ”

ولقد أصبح إيمان كثير من الناس بهذه القضية الخطيرة لا يعدو أن يكون كلاما باللسان، يقال في وقت السعة والرخاء، فلو أنك سألت أي إنسان في الطريق من الذي يرزقك؟ لقال لك في الحال هو الله عز وجل ، ولكن انظر لهذا الإنسان إذا ضيّق عليه في الرزق فإنه يقول فلان يريد أن يقطع رزقي، فما دلالة هذه الكلمة؟

وإنها كلمة تدل على أن الإيمان بأن الرزق من عند الله ضعيفًا، لم يصل لدرجة اليقين، وأن كلمة “الرزاق هو الله” كلمة تستقر حال السلم والأمن، ولكنها تهتز إذا تعرضت للشدة، والخوف والمحن ، فكم نحن بحاجة عظيمة لنذكر أنفسنا، ونعظ قلوبنا ، ليرسخ فيها أن الرزق لا يملكه أحد سوى الله، وأن الخلق كلهم لا يملكون لأحد قطميرًا .

فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما ” واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك”.

والرزق مكتوب محفوظ للعبد منذ أن خلقه الله في بطن أمه، وأُرسل إليه الملك فأُمر بأربع كلمات، ومنها ، بكتب رزقه حتى يموت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها “.

ولقد تساهل الكثير في الكسب وتحصيل المال من أي طريق، وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال؟ أمن حلال أم من حرام” والله عز وجل هو الذي قسم الأرزاق، وكتب لكل نفس رزقها وأجلها، ومع ذلك لم يأمرنا بالقعود وترك العمل وبذل الأسباب حتى يأتي الرزق .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مبينًا قاعدة عظيمة من قواعد الكسب وطلب الرزق: “من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة”.

ولقد حذزنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، من أن تتعلق قلوبنا بتحصيل أرزاقنا ، فننسى الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، ونشغل عن العمل الصالح بالجمع والتحصيل، والعد والتنمية، ولربما شحت نفوسنا عن أداء حق الله سبحانه و تعالى في أموالنا، أو امتدت أيدينا إلى ما لا يحل لنا فنكون كالذي يأكل ولا يشبع، ويجمع ولا ينتفع .

وعن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه لا يستبطئن أحد منكم رزقه أن جبريل عليه السلام ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس واجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصية .

والنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول ” إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات: بِرزقه وَأجله وشقي أو سعيد ” رواه البخاري .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *