Share Button

فى طريق النور ومع شهر شعبان ” الجزء الأول ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نعيش بحمد الله تعالى في هذه الأيام أيام النفحات، نفحات الخيرات والبركات، فقد كنا فى أيام الإسراء والمعراج، التي أكرمنا الله عز وجل وأهدى لنا فيها هدية الصلاة، تصلنا بالله، وترفع عنا كل هم، وتبدد عنا كل غم، وتفرج عنا كل كرب، فمن حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ويقول الله تعالى في محكم آياته كما جاء فى سورة التوبة ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض” وإن شهر شعبان هو الشهر الثامن من شهور السنة الهجرية، حيث يأتي بعد شهر رجب، وقبل شهر رمضان، وقد قيل أنه سُمي شهر شعبان بهذا الاسم، لأن العرب كانوا يتشعبون فيه بالأرض، أي ينتشرون فيها بحثا عن الماء، وقد فضل الله تعالى بعض الأزمنة، وميّزها على غيرها، بالعديد من الخصائص، وشهر شعبان من تلك الأزمنة التي فضلها الله تعالى، فإن عمل العام يرفع في شهر شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، أنه ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار، فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل، ومن المعلوم أن رفع الأعمال لا يقتصر على شهر شعبان، وإنما هناك أربع صور لرفع الأعمال وهي الرفع اليومي، والأسبوعي، والسنوي، والختامي، وقد بينها ابن القيم رحمه الله، وإن فائدة هذا التقسيم السابق لرفع الأعمال أن نجتهد أكثر في هذه الأوقات.

ونملأها بالطاعات، كي يرفع عملنا ونحن في صيام،أو ذكر، أو استغفار، ويعتبر شهر شعبان كالمقدمة لشهر رمضان ، فحسن أن يكون فيه شيء مما يكون في شهر رمضان من صيام، وأن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت ” كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان” رواه أحمد والنسائى، وقال ابن رجب في لطائف المعارف، أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة و كلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة و نشاط ، فلما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ونستهل في هذا اليوم المبارك هلال شهر شعبان، وهو شهر كانت له عناية خاصة عند النبي العدنان صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، فقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يخص هذا الشهر بأعمال يتوجه بها لمولاه عز وجل، نرجوا أن يوفقنا الله جميعا بالاقتداء فيها بهداه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من صيام هذا الشهر، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شهر شعبان” رواه البخارى ومسلم.

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المباركين لا يتركون مناسبة دون أن يستفسروا عن سببها من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا في سؤالهم واستفسارهم مؤدبين، فتناقشوا فيما بينهم، لماذا يكثر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من الصيام في شهر شعبان؟ ثم قالوا نرفع الأمر إليه صلى الله عليه وسلم، من الذي يعرض هذا الإسفسار عليه، قالوا ومن يسأله إلا حِبّه أسامة بن زيد رضي الله عنه، فذهب أسامة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى أدب المؤمنين الصادقين في السؤال، فإنها كلمات قليلة تعبر عما يجول فى الخاطر والبال، فقال يا رسول الله، لم نرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شهر شعبان، وسكت، حتى لم يقل ولما؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا الحكمة في ذلك قائلا ” ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل، وأُحب أن يرفع عملى وأنا صائم” وهل الأعمال لا ترفع إلا في شهر شعبان؟ فإن الأعمال التي نعملها يطلع عليها الله عز وجل في الوقت والآن، ولذلك يذكرنا بذلك في القرآن الكريم فيقول تعالى كما جاء فى سورة التوبه ” وقا اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” ولكن كيف يرانا الله سبحانه وتعالى؟ فيرد علينا القرآن الكريم كما جاء فى سورة الحديد ” وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير” فهو سبحانه وتعالى يطلع على أحوالنا في كل وقت وحين، ويطلع على النوايا التي في القلوب التي تصحب الأعمال، لأنه عز وجل كما يعلم ما في الظاهر.

ويعلم ما في الضمائر ويعلم غيب السرائر، يعلم السر وأخفى، لكنه رحيم بخلقه، كريم مع عباده، لطيف بعباده المؤمنين أجمعين، عفو يحب العفو، تواب يحب التوابين ويحب المتطهرين، فيريد أن يعطينا فرصة لنتوب إليه ونرجع إليه، فجعل ملائكة عن اليمين وعن الشمال يسجلون الأعمال، وجعل ميعاد تناوبهم في وقت صلاة الفجر ووقت صلاة العصر، حتى إذا جاءوا سألهم سبحانه وتعالى “كيف وجدتم عبادى؟ فيقولون كما قال سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ” أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون” فيرفعون الأعمال إلى الله عز وجل، وتعرض الأعمال على الله تعالى في يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، ولذا كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يديم صيام هذين اليومين الكريمين، ولما سئل عن صوم يوم الاثنين ويوم الخميس، قال صلى الله عليه وسلم عن كل منهما “ذاك يوم تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل، فاحب أن يعرض عملي وأنا صائم” ولما كان القرآن الكريم كان مبتدأ نزوله في شهر رمضان، وكان الشرع الشريف بداية تنفيذه بعد نزول القرآن، كانت السنة التشريعية للمؤمنين تبدأ في شهر رمضان، وجعل الله عز وجل من أجل ذلك قبول الأعمال في شهر شعبان، وجعل العرض يكرر مرات وكرات حتى يجعل للعبد المؤمن سبيلا إلى التوبة والإنابة إلى من يقول للشيء كن فيكون، وإن شعبان هو اسم للشهر، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنه شعب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان.

ويجمع على شعبانات وشعابين، وأما عن الصيام في شعبان، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان” رواه البخارى ومسلم، وتقول أيضا السيدة عائشة رضى الله عنها فى رواية أخرى ” كان يصوم شعبان كله، وكان يصوم شعبان إلا قليلا” رواه مسلم، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت” ما علمته، تعني النبي صلى الله عليه وسلم، صام شهرا كله إلا رمضان” رواه مسلم، وعنها أيضا رضى الله عنها قالت” ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان” رواه مسلم، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال” ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان” رواه البخارى ومسلم، وكان ابن عباس رضى الله عنهما يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان، فقال ابن حجر رحمه الله” كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان” وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال” قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائى.

وعن السيدة عائشه رضى الله عنها قالت” كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان” رواه أبو داود، وقال ابن رجب رحمه الله” صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من شهر رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل شهر رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل شهر رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعُد عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم” شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ” فيشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام شهر رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام، وليس كذلك، وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها، أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، وخصوصا الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء.

وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال ” إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدّهنين” وقال قتادة ” يستحب للصائم أن يدّهن حتى تذهب عنه غبرة الصيام ” وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، وعن معقل بن يسار رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال “العبادة في الهرج كالهجرة إلي” أي بمعنى العبادة في زمن الفتنة، لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق، وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم، في شعبان على عدة أقوال، ومنها أنه كان صلى الله عليه وسلم، يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها، وقيل إن نساءه صلى الله عليه وسلم، كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك، وهذا عكس ما ورد عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه، وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان رواه النسائى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *