Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا عند شخصيته، وصفته الشكلية، فيقال أنه كان عمر بن عبد العزيز، أسمر رقيق الوجه أحسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة دابة، وقد خطه الشيب، وقيل في صفته إنه كان رجلاً أبيض دقيق الوجه، جميلاً، نحيف الجسم، حسن اللحية، ويرى المتتبع لأقوال العلماء والمؤرخين إجماعاً تاماً على عدّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز المجدد الأول في الإسلام، وكان أول من أطلق عليه ذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: يروى في الحديث: إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز.

ويقول ابن حجر العسقلاني: إن إجماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي، وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، وكان عمر بن عبد العزيز يلقب بالأشجّ أو أشجّ بني مروان، وذلك لأنه عندما كان صغيراً دخل إلى اصطبل أبيه عندما كان والياً على مصر ليرى الخيل، فضربه فرس في وجهه فشجّه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد.

ولما رأى أخوه الأصبغ الأثر قال: الله أكبر، هذا أشج بني مروان الذي يملك، وذلك أن عمر بن الخطاب كان يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً، فقد رأى عمر بن الخطاب رؤيا تشير إلى ذلك، وقد تكررت هذه الرؤيا لغير عمر حتى أصبح الأمر مشهوراً عند الناس، بدليل ما قاله أبوه عندما رأى الدم في وجهه، وما قاله أخوه عندما رأى الشج في وجهه، فكلاهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الأشج الذي يملأ الأرض عدلا، ويُذكر أن عمر بن الخطاب رأى ذات ليلة رؤيا، وكان يقول: ليت شعري من ذو الشين، أي العلامة، من ولدي الذي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً؟ فكان عبد الله بن عمر يقول: إن آل الخطاب يرون أن بلال بن عبد الله بوجهه شامة، فحسبوه المبشر الموعود، حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز.

وكان هناك موقف بين عمر بن عبد العزيز والحجاج بن يوسف الثقفى، فكان عمر بن عبدالعزيز، وهو الخليفة الأموي العادل حين كان والياً على المدينة و قبل توليه الخلافة، كان يبغض الحجاج بن يوسف بغضاً شديداً، وكان ذلك لما كان عليه من الظلم و الطغيان وسفك الدماء المعصومة، وقيل أنه كان عمر بن عبدالعزيز يقول : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة، وقيل أنه قد كان الحجاج بن يوسف، من أكثر الناس خدمة للقرآن وأهله، فقد كان يقرأ القرآن كل ليلة، وكان يختمه كل ثلاث، وكان يأمر بإكرام أهل القرآن و إجلالهم، وقد خدم المصحف خدمةً عظيمة حين أمر بنقطه أى وضع النقط على الحروف، وكانت له مواعظ تقشعرّ لها الجلود .

فقد قال الحسن البصري: لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج بن يوسف، فقد سمعته يقول : إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة، ومع البغض الشديد الذي كان يكنّه عمر بن عبدالعزيز للحجاج إلا أنه قد روي عن عمر أنه قال : ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على: حبه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل، وكان الحجاج يقول حينما حضرته الوفاة : اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل، وأما عن الحجاج بن يوسف، فكان يرتاب كثيرا من عمر بن عبدالعزيز ويخاف لسانه.

وقد اختلفت الروايات عن سبب مرض الخليفه الأموىعمر بن عبد العزيز وموته، إذ تذكر بعض الروايات أن سبب مرضه وموته هو الخوف من الله تعالى والاهتمام بأمر الناس، كما روي عن زوجته فاطمة بنت عبد الملك، وكما ذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن لهيعة،
إلا أنه قد ذكر سبب آخر لموته، وهو أنه سُقي السم، وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعاً من سياسة عمر التي قامت على العدل وحرمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم، بل جعل بني أمية مثل أقصى الناس في أطراف دولة الإسلام، ورد المظالم التي كانت في أيديهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه، فقد رُوي أنهم وعدوا غلام عمر بألف دينار وأن يُعتق إن هو نفذ الخطة.

فكان الغلام يضطرب كلما همّ بذلك، ثم إنهم هددوا الغلام بالقتل إن هو لم يفعل، فلما كان مدفوعاً بين الترغيب والترهيب حمل السم فوق ظفره، ثم لما أراد تقديم الشراب لعمر قذف السم فيه ثم قدمه إلى عمر، فشربه ثم أحس به منذ أن وقع في بطنه، وعن مجاهد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول الناس فيّ؟ قلت: يقولون إنك مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ثم دعا غلاماً له فقال له: ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق، قال: هات الألف، فجاء بها فألقاها عمر بن عبد العزيز، في بيت المال وقال: اذهب حيث لا يراك أحد، وقيل أنه مات بسبب السل، وتوفي عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رجب سنة مائه وواحد من الهجره.

وكان ذلك على أصح الروايات، وقيل أنه قد استمر معه المرض عشرين يوماً، وتوفي بدير سمعان من أرض معرة النعمان بالشام، بعد خلافة استمرت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، وتوفي وهو ابن تسع وثلاثين سنة وخمسة أشهر، وعلى أصح الروايات كان عمره لما توفي أربعين سنة، وقد اختلفت الروايات على مقدار تركة عمر بن عبد العزيز حين توفي، ولكن الروايات متفقة على قلة التركة أو انعدامها، حيث قال ابن الجوزي: بلغني أن المنصور قال لعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: عظني، قال: مات عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وخلف أحد عشر ابناً، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً كفن منها بخمسة دنانير، وثمن موضع قبره ديناران.

وقسم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهماً، ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابناً، فقسمت تركته، وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف، ورأيت رجلاً من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله عز وجل، ورأيت رجلاً من ولد هشام يُتصدق عليه، وكانت وصيته لولي عهده يزيد بن عبد الملك، أنه كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك وهو في مرض الموت قائلاً: ” بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى يزيد بن عبد الملك، السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني كتبت إليك وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسؤول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة.

ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئا، حيث يقول تعالى فيما يقول: ( فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ) فإن يرضى عني الرحيم فقد أفلحت ونجوت من الهول الطويل، وإن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وأن يَمُنّ علي برضوانه والجنة، وعليك بتقوى الله والرعيةَ الرعيةَ، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلاً حتى تلحق باللطيف الخبير، وكانت هذه هى النهايه، وهكذا قال عمر بن عبد العزيز، لعالم من العلماء: عظني، فقال له: لست أول خليفة تموت قال: زدني قال: ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وسيأتي دورك يا عمر، وسيأتي دورك يا عمر، فبكى عمر رحمه الله وخر مغشيا عليه.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *