Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا عند صفات عمر بن عبد العزيز الجليله وأفعاله الكريمه والتى كان منها هو تدوين الحديث النبوي، علما بأنه قد نهى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن كتابة غير القرآن الكريم في أول الأمر، وكان ذلك مخافة اختلاط غير القرآن به، واشتغال الناس عن كتاب ربهم بغيره، ثم جاء بعد ذلك الإذن النبوي بتدوين الحديث الشريف فنسخ الأمر، وصار الأمر إلى الجواز، وقد ثبت أن كثيراً من الصحابة قد أباحوا تدوين الحديث الشريف، وكتبوه لأنفسهم، وكتب طلابهم بين أيديهم، وأصبحوا يتواصلون بكتابة الحديث الشريف وحفظه، ولعل طلائع التدوين الرسمي للحديث النبوي، أي الذي قامت به جهة مسؤولة في الدولة الإسلامية.

وكان ذلك على يدي عبد العزيز بن مروان وهو والد عمر، وكان ذلك عندما كان أميراً على مصر، وأن التدوين الذي آتى ثماره هو ما قام به أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد تجلى ذلك في إرشاداته لكتابة العلم وتدوين الحديث، وأوامره للخاصة والعامة بذلك، فمن إرشاداته قوله: أيها الناس، قيدوا النعم بالشكر، وقيدوا العلم بالكتابة، وقد أصدر عمر أوامره إلى بعض الأئمة العلماء بجمع سنن وأحاديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حمله على ذلك ما رآه عند كثير من التابعين في إباحة كتابة الحديث، وهم قد حملوا علماً كثيراً، فخشي عمر على ضياعه، وخشي من فشوّ الوضع ودسّ الأحاديث المكذوبة وخلطها بالصحيح من كلام النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وكان ذلك بسبب الخلافات المذهبية والسياسية، وإلى هذا يشير كلام الإمام الزهري: لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها، ما كتبت حديثاً ولا أذنت في كتابه، وقد رأي الزهري هذا كان رأي كثير من أئمة ذلك العصر، حيث خافوا على الحديث النبوي الشريف من الضياع، واختلاطه بالمكذوب، مما حفز العلماء على حفظ السنة النبويه بتدوينها، وجاء رأي السلطة العليا ممثلاً بالخليفة عمر بن عبد العزيز، فاتخذ خطوة حاسمة بتدوين الحديث النبوي، وجعل من مسؤوليات الدولة حفظ السنة المطهرة، وقد كتب عمر إلى الإمام أبي بكر بن حزم، وهو أمير المدينة وأعلم أهل زمانه بالقضاء، يأمره بذلك، ففي صحيح البخاري: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم.

يقول له انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولتُفشوا العلم، ولتُجلسوا حتى يعلم ما لم يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً، وقد روى ابن سعد عن عبد الله بن دينار قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أنظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنّة ماضية أو حديث عمرة بن عبد الرحمن، فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله، وكما وجه كتاباً بهذا الشأن إلى الإمام ابن شهاب الزهري، فقد ذكر ابن عبد البر عن ابن شهاب قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً.

فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا، وقد روى أبو عبيد أن عمر أمر ابن شهاب أن يكتب له السنّة في مصارف الزكاة الثمانية، فلبّى الزهري أمره، وكتب له كتابا مطولا يوضح ذلك بالتفصيل، ومن هنا قال ابن حجر العسقلاني: وأول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد، بل إن عمر وجّه أوامره إلى أهل المدينة جميعاً يأمرهم ويحثهم على جمع الحديث، ويشارك في هذا كل من لديه علم، ولو كان بضعة أحاديث، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة: أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتبوه، فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله.

ولم يقف عمر عند ذلك، بل عمَّمَ أوامره إلى جميع الأمصار في الدولة الإسلامية، ليقوم كل عالم بجمع وتدوين ما عنده من الحديث، وقد استطاع عمر بن عبد العزيز خلال عامين وبضعة أشهر وهذه هى مدة توليه الخلافة أن يقود الدولة الإسلامية لتكون من أعظم الدول، فعم الرخاء وانتشر العدل وفرض هيبتها وسيطرتها وسلطانها ليعيد الأمن والاستقرار، بعد أن مرّت بفترات عاصفة وأوقات حَرِجة، وفتن مظلمة، فاستأنف الفتوحات الإسلامية، وضمت الدولة إلى أراضيها بقاعا شاسعة فى الشرق والغرب، وتولى عمر بن عبد العزيز منصبه وجيوش مسلمة بن عبد الملك تحاصر القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، فكان استقرار الدولة من أسباب ظهور أثر إصلاحات عمر، وسياسته الحكيمة.

وكذلك إدارته العادلة، وكانت الدولة الإسلامية خلال هذه الفترة عامرة بالكفاءات الذين يجمعون بين الصلاح والكفاءة، فاستطاع عمر أن يقوم بهذه الإصلاحات العظيمة ويرسى أركان دولته العظمى فى هذه الفترة القصيرة، وكان رغم تقشفه على نفسه وزهده فى المال العام فإنه كان يرعى حق كل مواطن فى هذا المال ويغدق عليه منه حتى تقوم الدولة بمسؤولياتها تجاه أفرادها، وتحسين أحوالهم المعيشية، فكتب إلى ولاته ليقضوا عن الغارمين ديونهم، وبلغ من حرصه على الرفق برعيته، واحترامه لحقوق الإنسان وخاصة ذوى الاحتياجات الخاصة أن جعل لكل أعمى قائدا يقوده ويخدمه، وخصص للمرضى والأيتام من يقوم بخدمتهم، كما خصص رواتب للعلماء وطلاب العلم والمؤذنين.

وأيضا فكّ رقاب الأسرى، وقدم الأعطيات للسجناء مع الطعام والشراب، وحمّل بيت المال تكاليف زواج مَن لا يملك نفقاته، وفى عهده عم الرخاء وفاض الخير فى بيت المال حتى كان المنادى ينادى كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ واغتنى كل هؤلاء ولم تعد لهم حاجة إلى المال، حتى قيل عن عهده: لقد أغنى عمر الناس، فلم يعد هناك من يقبل أخذ الصدقات، وقد اهتم عمر بن عبدالعزيز حتى بالطير والحيوان، فأمر مسؤول بيت المال بشراء الحبوب ونثرها على رؤوس الجبال حتى تأكل الطير منها فلا يبقى جائع من بشر أو حيوان، ورغم كل ذلك كان عمر بن عبدالعزيز يرتجف من خشية الله خوفا من أن يكون مقصرًا فى حق رعيته.

وقد اتفقت كلمة المترجمين لعمر بن عبد العزيز على أنه من أئمة زمانه، فقد أطلق عليه كل من الإمامين مالك وسفيان بن عيينة وصف إمام، وقال فيه مجاهد: أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمَّنا منه، وقال ميمون بن مهران: كان عمر بن عبد العزيز معلم العلماء، وقال فيه الذهبي: كان إماماً فقيهاً مجتهداً، عارفاً بالسنن، كبير الشأن، حافظاً، قانتاً لله أوَّاهاً منيباً، يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر بن الخطاب، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري، وقد احتج الفقهاء والعلماء بقوله وفعله، ومن ذلك رسالة الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس، وهي رسالة قصيرة، وفيها يحتج الليث مراراً بصحة قوله بقول عمر بن عبد العزيز على مالك فيما ذهب إليه في بعض مسائله.

ويرد ذكر عمر بن عبد العزيز في كتب الفقه للمذاهب الأربعة المتبوعة على سبيل الاحتجاج بمذهبه، فاستدل الحنفية بصنيعه في كثير من المسائل، وجعلوا له وصفاً يتميز به عن جدّه لأمه عمر بن الخطاب، وقد قال القرشي في الجواهر المضيئة: فائدة: يقول أصحابنا في كتبهم في مسائل الخلاف: وهو قول عمر الصغير، يريدون به عمر بن عبد العزيز، ويُكثر الشافعية من ذكره في كتبهم، وأما المالكية فيُكثرون من ذكره في كتبهم أكثر من غيرهم، وأما الحنابلة فكذلك يذكرونه كثيراً، وعمر هو الذي قال فيه الإمام أحمد: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز، وكفاه هذا، وقال الإمام أحمد أيضاً: إذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز، ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن من وراء ذلك خيراً إن شاء الله.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *