Share Button

بقلم أماني درويش

دعيني أحصى هذا الأبيضُ في رأسكِ .. لأُشهِد أيامي كم عمراً طويتِ وكم دعاءً رفعتِ وكم نوماً جافيتِ وكم دمعةً سكبتِ
وكم أمداً على وخزاتِ الزمن عصيتِ حتى دمت قدماكِ سيراً وكهلَ البدنُ شيئاً فشيئاً واشتعل الرأسُ هماً وشيباً ؟
دعيني أحصي كم نهاراً ألبستنيه بياضاً وكم ليلاً جعلتيه مكتحلاً لعيني وكم ربيعاً أخذتُ منكِ وكم وهناً أعطيتُك يا أمي ؟!

احميني يا نبوءة المطر.. واريني صدركِ .. خبئيني من وجه الزمن المُفزع .. اغلقي باب قلبي بيمينك واكتبي عليه ” مغلق للراحة ”
بثيني مناماً في تأوييلَ رؤاكِ وضعيني مِشبكاً في رمادية شَعرِكِ وحيكيني حذاءً يقي فردوس قدميكِ قسوةَ الأرضِ
هذا الوجه يمتدُ في كشرايين الفجر .. كتراتيل الذكر .. كخشوع ليلة القدر
كحبلٍ سُريّ يلُفُني ويمُدني بعزيمة السماء لأجل أن أبقى وأستمر

وحدكِ من تكترثينِ لبُكاء طفلتكِ حين يُغادرها طائر النافذة وتفتحين كفها كي يعودُ إليها الحمام
وأ ت م ز ق … حين تغفو عينيكِ بأرقِ الثكالى وقت أن يُرفع أذآن حُزني وأنتِ كعبدٍ مُطيعٍ قام يهرعُ للصلاةِ

امسحي على وجهي ببسمتك وسوف ترين نورها يشق صدر ظلمتي ويبصقُ في وجه العمى
امسحي على وجعي بأنفاسكِ وسوف تُلملمين حطام سفن حزني الراكدة في أعماق قلبي الملكوم
أمسحي على جسدي بالمعوذتينِ وسوف تسقطُ دمعتي بقربِ قدميكِ ويُكتب لها أنها وطأت جنات رب العالمين

أذكُرُ يوماً توضأتِ زمزماً وتعلقتِ بأستار البيتِ العتيقِ وانهمرت عيناكِ وشفتاكِ ” اللهم ابنتي .. اللهم ابنتي ”
لم تذكري نفسكِ إلا بعدي .. لم تهبي ذاتك إلا لذاتي .. لم تشقي سماوات الحاجة والتمني إلا من أجلي
يا من أنفاسها ابتهال .. ونقاء يُقسم أن ما بين الشهقة والزفرة تتفجر ينابيع طُهر
صوتكِ خمائل غناء .. وعينيكِ حدائق عنبٍ ورُمان سأتسلق غصونها وأقطف من وجهكِ الخمري عناقيد حُب
يا روحاً تبثُ مداي طيباً وعكازاً استقامت به قامة أول خطواتي وشمساً غزلت الدفء ردائي وقمراً نسجَ الراحة مضجعي
حلِّقي كيمامةٍ بيضاء في سموات روحي و كوني بخيرٍ يا نهر أيامي حتى لا أجف .

#أماني_درويش

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *