Share Button

كتب احمد بن حريز

توفي اليوم السبت 26 ديسمبر 2020 الكاتب والناشط السياسي اليساري التونسي جلبار نقاش عن عمر ناهز ال81 عاماً، وفق ما أكده عدد من أفراد عائلته.

ولد جيلبار نقاش عام 1939 في العاصمة التونسية، في أوج الحقبة الاستعمارية، وفي بداية نضج الحركة الوطنية. درس جيلبار في المعهد الوطني الفلاحي في باريس ثم عاد إلى تونس لتنطلق مباشرة مسيرته السياسية والأدبية معا.

بمجرد عودته انضم إلى “برسبكتيف” التنظيم الذي تأسس في باريس منذ 1963، على يد ثلّة من الطلبة التونسيين ينتمون إلى تيارات فكرية ماركسية وقومية متنوعة. كانت المجموعة نشأت في ظروف موسومة بالانغلاق السياسي الحاد خاصة بعد قرار حظر الحزب الشيوعي التونسي، وبعد تصاعد ملاحقة التيار اليوسفي (نسبة إلى الزعيم صالح بن يوسف الذي اغتيل في فرانكفورت صيف 1961).

حكم عليه بشدة في 16 سبتمبر 1968 ب14 سنة سجنا لنشاطاته السياسية مع تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي في تونس (يعرف بحركة آفاق)، وتعرض لشتى أنواع التعذيب، قبل أن يطلق سراحه بعد عشرة سنوات في 13 أوت 1979، وبقي تحت الإقامة الجبرية وخضع للمراقبة الإدارية.

وعاد لتونس بعد الثورة التونسية في 2011. استمع له كشاهد في أول جلسة استماع علنية نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة في 16 نوفمبر 2016، وروى فيها ما تعرض له من تعذيب ومضايقات في عهد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

كان نقاش ماركسيا، وذلك يعني بالنسبة إليه ولرفاقه أن يعادي الحركة الصهيونية مبدئيا، باعتبارها حركة استعمارية عنصرية، أما الانتماء الديني فهو شأن شخصي صرف.

لذلك لم يكن مستغربا مشاركة جيلبار (شأنه في ذلك شأن جورج عدة وسارج عدة وغيرهما من يهود تونس) في كل الفعاليات المنددة بالانتهاكات الصهيونية على مرّ العقود، ولا يستغرب ذلك إلا القاصر عن رسم الحدود بين الديانة والأيديولوجيا أو من يتقصّد فسخ الحدود لتلبيس الدين بالسياسة.

بعد الثورة التونسية واصل جيلبار نقاش مساهمته في الحراك السياسي، وكان لا يتردد في أن يدلي بدلوه في الشأن العام، وكان يكتب دائما وينقد ويعارض كدأبه. يذكر أنه كان أول المنسحبين من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي التي تأسست أشهرا قليلة بعد فرار ابن علي وكان يرأسها الفقيه الدستوري عياض بن عاشور، عارض حكومة الباجي قايد السبسي، وعارض حكومة النهضة الإسلامية، ونقد مشروع “قانون تحصين الثورة” ورأى أنه لا يجب أن يٌعتمد إلا في إطار قانون العدالة الانتقالية.

جلبار نقاش هو كذلك أحد مؤسسي جمعية Manifeste 20 mars “مانفيست 20 مارس”، بعد الثورة.

من أول مؤلفاته ”كريستال”، الذي كان قد كتبه في السجن على أغلفة علب سيجارة لعلامة كريستال التونسية. ومن أبرز مؤلفاته أيضاً:” ماذا فعلت بشبابك ؟”.

مقطع من رواية “كريستال”

“حوّلتني الكتابة من سجين الى انسان.”

-جلبار نقاش، تقديم رواية كريستال.

“كنت أشعر، من ناحية أخرى، بأن قدميّ لم تعودا قادرتين على حملي، وبفراغ فظيع في رأسي، وكان ينتابني شعور بالعجز … هذا كلّ شيء، هم يستطيعون أن يفعلوا بنا ما شاؤوا، أن يخلوا سبيلنا، أو أن يُدخلونا السجن إن أرادوا! اللعنة! اللعنة! 14 سنة سجنا يا صاحبي.

لقد مرّت علينا حتّى الآن ثلاث سنوات، كانت معظم أيامها كئيبة.

تَعيش في عزلة، دون كُتب، تُشاهد أشعة الشمس تتسلّل عبر النافذة المرتفعة جدا وهي تسلك مسارها، فتقع أولا على حصير الحلفاء المُلقى على الأرض والذي تُطلق عليه في السجن تسمية “بيّاص”، ثمّ على الصّندوق الكرتونيّ الذي يَحوي المؤونة، لتصلَ الجدار المقابل والباب – وهذا هو موعد وصول الحراس بعد الظهر- وتَتسلّق أشعة الشمس الجدار وتضيق رقعتها لتأخذ شكل مستطيل صغير ثمّ تتلاشى. تُشاهد أحيانا حُبيْبات الغبار تتراقص في شعاع الشمس. ومن المدهش، أنّكَ تستعيد ردود فعل الطفل الذي كُنته، فالغبار منتشر في كل مكان من الغرفة، وأنت تتنفّسه باستمرار، ولكنّك لا تراه إلاّ عندما يمرّ عبر الأشعّة التي تتسلّل عبر النافذة. تلهو لبضع دقائق أو لبضع ساعات، بتوجيه دخان سيقارتك نحو شعاع الشمس، والنظر إلى الدوّامات التي يُحدثها وتسعى إلى فكّ تلك الأشكال، ومحاولة خلق أشكال أخرى…

بلغنا أن قرار سحب العفو قد نُشر على الصفحات الأولى من الجرائد، إلى جانب أخبار حول التتبّعات القضائيّة التي عقبت “التظاهر في الطريق العام” يوم 19 أفريل. وكان الربط بين الخبرين بديهيّا بالنسبة لنا: لقد أرادوا أن يُظهروا أنّهم يتصرّفون بحزم فكنّا نحن الدليل والضحيّة.

وبعد خمسة عشر يوما، كنا في برج الرومي

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *