Share Button

 

النمل من الحيوانات والحشرات القليلة التي أودع الله فيها غريزة ادخار الغذاء ، فهو يحتفظ بالحبوب في مسكنه الرطب الدافئ تحت الأرض دون أن يصيبها التلف، ويتفنن النمل بطرق الادخار بحسب أنواعه ، فهو يقطع حبة القمح نصفين ليلغي نمو رشيمها، ويقشر البقول لئلا تنبت من جديد ، أو يتركها عدة أسابيع في تهوية وحرارة معينة ، ويسمح لها بعدها بالإنبات ، فتنمو ويظهر لها ساقان وجذران صغيران حيث يقوم بقطعها وتجفيفها ، كي يصبح مادة جاهزة يتغذى عليها طوال مدة الشتاء.

إن دروس النمل تترا، فإنها لم تسم نملة إلا لتنملها أي، كثرة حركتها، مما ينم عن جد وجلد، تورث جديةً ومثابرة عجيبين، فتحاول النملة الصعود مرات وكرات حتى تنجح، وهي التي تحمل فوق ظهرها أضعاف أوزانها مرات ، وكذلك عند بنائها البيوت ترى النمل ، كل النمل ، دائب الحركة والعمل، لا ترى نملة واقفة، ولا أخرى نائمة أو قاعدة عن العمل، فالجدية والمثابرة صفة للنمل، يكاد يكون عليها إجماع الباحثين.

وإن مجتمع النمل مجتمع متعاون، لا ترى نملة تبني بيتها وحدها أبداً، وعند حمل الحب يتعاونون أيضاً، وكذا في السير ترى اجتماعهم في خط سير مستقيم، فما أحرى أمة الإسلام إلى تعاونها على البر والتقوى، في حين تفرقت أوصالها ، وللتضحية في حياة النمل صور ومواقف، فعندما تقطع حاجزاً مائياً أو جدول ماءٍ، تتشابك أيديها، وتتلاحم كالجسر، يسير الباقي فوقها، وتذهب مجموعة مع سيل المياه، تضحي بنفسها لأجل الآخرين.

والنمل يحتكر قُوتَهُ في زمن الصيف لزمن الشتاء، وله في الاحتكار من الحيل ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قَسَمَهُ نصفين، وإذا خاف العفن على الحبِّ أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلاً في ضوء القمر ، وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين، وأخرى للنوم، ومقر للملكة تبني عشها، وتجعل الفتحة جهة المشرق دوماً، وكم من باحث يستدل على جهة المشرق بالنظر إلي جحور النمل.

ومن النمل ما يزرع، ومنه ما يقطع الشجر، الملكة تضع البيض وتوجه، والشغالات في خدمة الملكة، والوصيفات تبلغ أوامر الملكة، والعساكر ينفذون، دون تنازع أو خصام ، وعند الأزمات تسير قطعان النمل متحدة لتفتك بالعدو ، وشأن النمل كغيره من المجتمعات، فيه الصالح والطالح، ففيهم نوع فاسد، مجتمع تخريبي يعيش على إهلاك الحرث والإفساد، لا يعمل إلا في الظلام، يبني جحوره في مسافات بعمق خمسة وأربعين متراً تحت الأرض.

والنملة حشرة اجتماعية راقية موجودة في كل مكان ، وفي كل وقت، بل إن أنواع النمل تزيد عن تسعة آلاف نوع ، وبعض النمل يحيا حياة مستقرة في مساكن محكمة ، وبعض النمل يحيا حياة الترحال كالبدو تماماً، وبعضه يكسب رزقه بجده وسعيه ، وبعضه يكسب رزقه بالغدر والسيطرة.

والنمل حشرة اجتماعية تموت إذا عزلت عن أخواتها ولو توافر لها غذاء جيد ، ومكان جيد ، والنملة تعلم الإنسان درساً بليغاً في التعاون، فإذا التقت نملة جائعة بأخرى شبعة تعطي الشبعة الجائعة خلاصات غذائية من جسمها، ففي جهاز هضمها جهاز ضخ تطعم به، هل يضخ الإنسان البعيد عن الله شيئاً لأخيه؟.

وللنمل ملكة كبيرة الحجم مهمتها وضع البيوض ، وإعطاء التوجيهات ، ولها مكان أمين في مساكن النمل ، وهي على اتصال دائم بكل أفراد المملكة، والنملات العاملات لها مهمات متنوعة، ومن مهمات العاملات ، هى تربية الصغار وهذا يشبه قطاع التعليم، وفي النمل عساكر لها حجم أكبر ولها رأس صلب كأن عليه خوذة .

وهذا يشبه قطاع الجيش في حراسة المملكة ، وحفظ الأمن ورد العدوان، ومن مهمات العاملات ، تنظيف المساكن والممرات، وهذا يشبه قطاع البلديات، ومن مهمات العاملات؛ سحب جثث الموتى من المساكن ودفنها في الأرض ، وهذا يشبه مكاتب دفن الموتى، ومن مهمات العاملات ، هو جلب الغذاء من آخر المملكة، وهذا يشبه قطاع المستوردين، ومن مهمات العاملات ، وزرع الفطريات ، وهذا يشبه قطاع الزراعة .

ومن مهمات العاملات أيضا تربية حشرات تعيش النمل على رحيقها ، وهذا يشبه قطاع تربية الماشية ، والنمل يبني المدن ، ويشق الطرقات ، ويحفر الأنفاق ، ويخزن الطعام في مخازن وصوامع، وبعض أنواع النمل يقيم الحدائق ، ويزرع النباتات، وبعض أنواع النمل يقيم حروباً على قبائل أخرى يأخذوا الأسرى من ضعاف النمل المهزوم .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملةٌ، أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله؟” رواه البخاري .

ويحكي القرآن الكريم قصة نملة مع قومها حين بذلت النصح فقالت: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وكانت واعظة صادقة فاستحقت التخليد في القرآن، فلما رأت خطراً محدقاً حذَّرَت، مع أن المحذَّرَ منه ليس بعدوٍ، إنما هو نبيٌ صالحٌ، لكن خوفاً من التحطيم والهلاك، لقومها أنذرت، فكيف لو كان المحذَّرُ منه عدواً مهلكاً؟ فماذا عساها فاعلة؟

فلم تحملها الأنانية على النجاة بنفسها هرباً، ثم إنها كانت في وادي النمل، فلم تتكل على غيرها، ولم تنظر إلى كثرة النمل من غيرها، وكانت نملة من أفراد النمل، لا منصب لها ولا مكانة، فلم تزدرِ نفسها، بل قامت بالبلاغ المبين ، فأنقذت أمتها، مع أنها لم تكن ذات منصب أو وجاهة.

وكان العدل لها سمةً، فاعتذرت عن فعل نبى الله سليمان عليه السلام ، في حين أنه لا حاجة لاعتذارها له، فهي لم تفسر أعمال القلوب، واعتذارها براءة لها من حمل الأفعال على سيئ المحامل والمقاصد، إذ تتبع العثرات ليس من شيم الكرام.

فجاء التبسم من سليمان عليه السلام إعجاباً بقولها ورضا، إذ التبسم يكون تبسم المستهزئ، وتبسم الغضبان، وتبسم العجب، ولكنه ، لما كان عن سرورٍ، أتبعه الله بقوله: (ضَاحِكَاً) وإنما كان فرح سليمان سروراً بدينها وعدلها، وأنها دافعت عنه دون حاجة أو طلب.

فما أحوجنا إلى إيمان كإيمان نملة ، إذا جاءك من يشتكي من هموم أو غموم أو أمراض أو ديون أو مخاوف أو غيرها فقل له اتصل بالله وعلق قلبك بالله فإن الذي علم بمخاوف نملة وسمع خطابها بكل تفاصيله ألا يعلم بمخاوفك وما أصابك؟ فناده وقل يا الله ، يا الله فإنه سميع قريب مجيب .

وقل له إن الذي سمع استسقاء نملة وتضرعها لربها فاستجاب لها وكفى المؤمنين صلاة الاستسقاء،ألا يسمع دعائك وندائك؟ فناده وقل ياالله ، يا الله إنه سميع قريب مجيب،انتبه كلما عَظُم الله في قلبك كنت إلى الله أقرب،فهذه جحافل النمل عظم الله عندها فقامت تسبحه ومعها الكون كله، فأين عظمة الله في قلبك وأنت من أرسل الله لك خير رسله صلى الله عليه وسلم وأنزل إليك خير كتبه القرآن العظيم 

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *