Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل مع السيده أم سليم بنت ملحان، وقد كان عندما الأنصار في المدينة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه، كل ما يمكن أن يقدموه المال والحماية والمعونة، وقد تمنت أم سليم لو أنها تملك المال إذن لوضعته بين يدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لينفقه في سبيل الله، ولكن ماذا تفعل وهي لا تملك إلا ما يسد رمقها ورمق أطفالها، ومضت في ذهنها فكرة رائعة لا يعدم الإنسان الصادق وسيلة يحقق بها أهدافه ويبرهن على جدية دعواها وصدقها، فقد أخذت ابنها أنس إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان عمره ثمان سنوات وقيل عشر سنوات سلمت عليه وقالت له: هذا ابني أنس يا رسول الله يخدمك ويقوم على حوائجك.

وقد جاءت أم سليم بأعز ما تملك، وهو ابنها وفلذة كبدها ووضعته في خدمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أم سليم ترجو بذلك إرضاء ربها ورسوله وتأمل أن يتعلم ابنها العلم من النبي مباشرة، لا شك أن أم سليم تعرف كيف وعلى ماذا ربته وكان أنس عند حسن ظنها، كلنا يعرف من هو أنس بن مالك خادم النبي، يا له من شرف عظيم، فقد أحبه النبي صلى الله عليه وسلم وقربه ودعا له بقوله: ” اللهم أكثر له ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ” وقد استجاب الله دعاء نبيه فكان أنس آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وقد قارب المائة من عمره، وأكثر الله ماله وأولاده، وكان أنس يقول: “وإني والله لأرجو الرابعة أي أرجو مغفرة الله تعالى”.

وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم هو العقل والحكمة، فقد كانت رضي الله عنها من عقلاء النساء، وموقفها مع زوجها أبي طلحة يوم وفاة ولدها يدل على عقل راجح، وحكمة بالغة، وصبر جميل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه مات له ابن، فقالت أم سليم رضي الله عنها، لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا أخبره، فسجَّت عليه ثوبًا، فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعامًا فأكل، ثم تطيّبت له فأصاب منها فتلقت بغلام، فقالت له: يا أبا طلحة، إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، أى تقصد أمانه، فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداة إلى أهلها، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، وإن الله قد قبضه.

فاسْتَرجِع أبو طلحه وقال إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال أنس: فأُخبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: “بارك الله لهما في ليلتهما ” وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو الشجاعة والإقدام، فكانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم رضي الله عنها، اتخذت خنجرًا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما هذا الخنجر؟ قالت: “اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه” وأم سليم تشارك في غزوة حنين قبل أن تلد ولدها عبد الله فكانت تسقي الجيش وترعى شؤونه وثبتت مع زوجها في من ثبتوا، يدافعون عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حين تفرق عنه كثير من المسلمين، كانت أم سليم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصيح بالناس ” أيا أيها الناس هلموا إليّ، أنا الرسول، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب “، رأت زوجها أبو طلحة وهو يقاتل باستبسال نادر ويزأر بالأعداء زئير الأسد حتى قال عنه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل ” وعندما احتدم القتال وفر الناس تركت أم سليم سقاية الجيش وتمريض الجرحى وأمسكت الخنجر التي كانت تخبئه في نطاقها وبدأت تقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، لم تخاف ولم يمنعها حملها الناضج من أن تقاتل لنصرة دين الله، وكانت حاملة آنذاك بابنها عبد الله، عندما التفت النبي صلى الله عليه وسلم .

ورآها في ميدان المعركة قال: أم سليم، قالت: نعم بأبي أنت، وأمي يا رسول الله، روى الإمام مسلم في صحيحة أن أبا طلحة قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشتد وطيس المعركة: يا رسول الله إن أم سليم اتخذت خنجرًا، لربما أراد أبو طلحة أن يفتخر أمام رسول الله بما تفعل زوجته، ضحك النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت أم سليم: يا رسول الله هذا خنجر أخذته إن دنى مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، وفعلًا استخدمت أم سليم خنجرها حين احتاج الأمر إلى مشاركتها في القتال، انتصر المسلمون في غزوة حنين، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حصيات من الأرض ورماها في وجوه الكفار وهو يقول: ” انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة ” وقذف الله في قلوبهم الرعب، فانهزموا.

وعندما وضعت أم سليم وليدها بعد الغزوة تذكرت قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بارك الله لكما في ليلتكما إذا ولدت ائتوني بالغلام، فأرسلت المولود إليه، فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله ثم أخذ تمرة فأكلها ودهن بها فم الصغير فجعل الصغير يتلمضها، فاتبسم صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ” أبت الأنصار إلا حب التمر ” وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو حب النبي واقتفاء أثره في كل شيء، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، دخل على أم سليم رضي الله عنها، بيتها، وفي البيت قربة معلقة فيها ماء، فتناولها فشرب من فِيها وهو قائم، فأخذتها أم سليم رضي الله عنها، فقطعت فمها فأمسكته.

وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو العلم والفقه، ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضى الله عنهما، عن امرأة طافت ثم حاضت، قال لهم: تنفر، قالوا: لا نأخذ بقولك، وندع قول زيد، قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم رضي الله عنها، فذكرت حديث صفية رضي الله عنها، ومن مناقبها وفضائلها أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة أي صوت وحركة فإذا هي بالرميصاء “، وهى امرأة أبي طلحة، ومما يدل على وفاء أم سليم بالعهد، ما روته أم عطية رضي الله عنها، قالت: أخذ علينا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى.

يروى أن أبا طلحة أخبر أم سليم يومًا أنه سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضغيف يعرف فيه الجوع وطلب منها أن تعد الطعام، وذهب ليدعو رسول الله إليه، قَبِل النبي الدعوة، ودعا من كان في حضرته من أصحابه، ارتبك أبو طلحة فهو يعلم أن الطعام الذي أعدته ما يكفي الأعداد التي سيصحبها النبي صلى الله عليه وسلم فأسرع إلى بيته وأعلم زوجته بما جرى وقد غلبه الغم والهم، ابتسمت أم سليم، وقالت: لا عليك يا أبا طلحة، الله ورسوله أعلم، وصدق حدثها، فالنبي يعلم أن أبا طلحة يدعوه وحده إلى الغداء ولكنه لم يشأ أن يأكل وحده، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه لصحابته

قائل: “طعام الإثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة ” وصل المدعوون إلى بيت أم سليم وإلى بيت أبي طلحة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم أن تفت الخبز ثم تضع فوقه السمن، وتناول الجميع الطعام، بسم الله تعالى فشبعوا جميعًا ولم ينفد الطعام، وقد عاش أبو طلحة مسرورًا مع أم سليم خاصة أنها كانت سند يعنه على طاعة الله، لا ينسى أبو طلحة موقفها حين تصدق بأرض بيرحاء حين سمع قول الله تعالى: ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) فقال للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن أحب مالي إليّ أرض بيرحاء، وإنها صدقة أرجو بها وزخرها عند الله.

فضعها حيث أراك الله، تبسم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقال: ” بخ بخ ذاك مال رابح، ثم أردف قائل: أرى يا أبا طلحة أن تجعلها في الأقربين ” فقسم أبو طلحة الأرض بين الفقراء من أقاربه، وعلى مرأى من زوجته أم سليم وتشجيعها، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ” الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ” ولم تقل له يومًا ما تقوله بعض النساء لأزواجهن، بعض النساء اليوم تبخله وتقطع خيره ومعروفه عن من حوله، بل كانت مسرورة بالثواب الذي يدخره عنه الله تعالى يوم الحساب،وقد توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *