Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نكمل مع نبى الله صالح عليه السلام، ولنعلم جميعا إن الأنبياء والرسل هم أشخاص اختارهم الله عز وجل ليحملوا رسالته ويبلغوها إلى الناس لأجل هدايتهم لطريق الخير، ودعوتهم إلى عبادته وحده لا شريك له، ويقصد بالرسول أنه من يوحى إليه بشريعة الله سبحانه وتعالى ويكون مكلفا بتبليغها ويحمل رسالة سماويةً جديدة، أما النبي يقصد به من يوحى إليه بشريعة الله لكنه لا يحمل رسالةً سماوية جديدة بل تكون مكملة لشريعة سابقة.

ولقد استخلف الله عز وجل، الإنسان لمهمة عُمران الأرض، وأخبره أن الحياة ليست لهوا، وعرّفه بمهمته عن طريق الأنبياء والرسل الذين كانوا دليل إرشاد ونصح للبشرية، وكلمة النبي مشتقة من النبوه، وهي المكان المرتفع من الأرض، وسمي النبي نبيا لأنه مُنبئ، أي مُخبر بما يوحى إليه من الله، ويُبعث النبي إلى قوم بشريعة سابقة، فيحكم بما نسوه، ويُبطل ما ابتدعوه، ولا يُنزل عليه كتاب، أما الرسول فيقصد به الإرسال والتوجيه فهو حامل الرسالة من الله يبلغها لقوم لم يأتهم نذير من قبل.

فبعث الله سبحانه وتعالى صالحا عليه السلام، الى قومه ، وهم الذين فجروا العيون وغرسوا الحدائق والبساتين، ونحتوا من الجبال بيوتا، وأمنوا غوائل الدهر، ونوائب الحدثان، وكانوا في سعة من العيش ورغد ونعمة وترف، ولكنهم لم يشكروا الله، ولم يحمدوا له فضله، بل زادوا عتوا في الأرض وفسادا، وبُعدا عن الحق واستكبارا، وعبدوا الأوثان من دون الله، وأشركوا به، وأعرضوا عن آياته.

وظنوا أنهم في هذا النعيم خالدون، وفي تلك السعة متروكون ، وكان نبى الله صالح عليه السلام ، من أشرفهم نسبا، وأوسعهم حلما، وأصفاهم عقلا ، وقيل أن صالح النبي صلى الله عليه وسلم من العرب لما أهلك الله عادا و انقضى أمرها عمرت ثمود بعدها فاستخلفوا في الأرض فانتشروا ثم عتوا على الله فلما ظهر فسادهم و عبدوا غير الله .

فدعاهم إلى عبادة الله، وحضهم على توحيده، فهو الذي خلقهم من تراب، وعمر بهم الأرض، واستخلفهم فيها، وأسبغ عليهم نِعمه ظاهرة وباطنة، ثم نهاهم أن يعبدوا الأصنام من دونه، فهي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا تغني عنهم من الله شيئا ، وذكرهم بأواصر القُربى التي تربطه بهم، ووشائج النسب التي تصل بينه وبينهم، فهم قومه وأبناء عشيرته.

وهو يحب نفعهم، ويسعى في خيرهم، لا يضمر لهم سوءا، ولا يريد بهم شرا، وأمرهم أن يستغفروا الله، ويتوبوا إليه مما اقترفوا من ذنب، واجترحوا من إثم، فالله سبحانه وتعالى ، لمن دعاه قريب، ولمن سأله مجيب، ولمن أناب إليه سميع، فما كان منهم إلا أن صمَت منهم الآذان، وغُلّفت القلوب، وعميت الأبصار، فأنكروا عليه نبوَته، وهزئوا بدعوته، وأنها بعيدة عن الحق الصدق، ثم لاموه فيها، أنّبوه على صدورها منه،

وهو الراجح عقلا، الصائب رأيا، وقالوا له: يا صالح: عهدناك ثاقب الفكر، مصيب الرأي، وقد كانت تلوح عليك ملامح الخير وأمارات الرشد، وكنا ندّخرك لملمّات الدهر، تضيء ظلماتها بنور عقلك، وتحُل معضلاتها بصائب رأيك، وكنا نرجو أن تكون عُدتنا حين يحزب الأمر ويشتد الخطب، فنطقت هُجرا، وأتيت نُكرا.

فما هذا الذي تدعونا إليه؟ أتنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا، وقد درجنا عليه، ونشأنا مُستمسكين به ، إننا لفي شك مما تدعونا إليه مُريب، لا نطمئن إلى قولك، ولا نثق بصدق دعوتك، ولن نترُك ما وجدنا عليه آباءنا ونميل مع هواك وزيغك ، فحذرهم صالح عليه السلام من مخالفته، وأعلن فيهم رسالته، وذكرهم بما أسبغ الله سبحانه وتعالى عليهم من نِعمه، وخوّفهم بأسه وبطشه، وأبان لهم أنه لا يقصد من وراء دعوته إلى نفع.

ولا يطمع في مغنم، ولا يتطلع إلى رياسة، وهو لم يسألهم أجرا على الهداية، ولا يطلب جزاء على النصيحة، وإنما أجره على الله رب العالمين، درءا لكل شبهة قد تساور نفوسهم، ودفعا لكل شك قد يجول في خواطرهم، فآمن به بعض المستضعفين من قومه، أما الملأ الذين استكبروا فأصروا على عنادهم، وتمادوا في طغيانهم، واستمسكوا بعبادة أوثانهم.

وكان قوم صالح عليه السلام، مجتمعين يوما في ناديهم، فجاء إليهم كي يدعوهم إلى الله تعالى ويحذرهم من عذابه ويعظهم، فقالوا له: “إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة، وذكروا أوصافا سموها، ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا”، فأجابهم صالح عليه السلام “أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به، وتصدقوني فيما أرسلت به ؟

قالوا: نعم، فقام النبي صالح عليه السلام وتوجه إلى صلاته، وأخذ يدعو الله تعالى أن يجيب طلب قومه، وأن يُخرج لهم ناقة من الصخرة، فاستجاب الله تعالى له وأخرج من الصخرة ناقة عشراء عظيمة كما طلبوا تماما، وقال النبي صالح عليه السلام لقومه: “هذه ناقة الله لكم”، حيث نسب الناقة لله تعالى من باب التشريف والتعظيم، فلما رأوها، آمن الكثير منهم، لكن الكثير بقوا في كفرهم وعنادهم وضلالهم، وجحدوا وظلموا ولم يتبعوا طريق الحق.

وجاء رجل منهم اسم قدار بن سالف، وعرضت امرأة عليه بناتها الأربعة مقابل أن يعقر الناقة، فذهب وانتدب شابين ليعقروها، وانضم إليهما سبعة، فأصبحوا تسعة، الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة:( كان فى المدينة تسعة رهط يفسدون فى الأرض ولا يصلحون) فعقروها ورموها بسهم فخرّت ساقطة.

وقد قال لهم نبى الله صالح عليه السلام : ذروها تأكل من أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فأصروا على العناد، وبعثوا أشقاهم فعقر الناقة، فقال لهم: “تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب” ولما حان أجل العذاب أرسل الله عليهم الصيحة مصبحين، فدمرتهم تدميرا، وأصبحوا في ديارهم جاثمين هلكى، وأنجى الله برحمته نبيه صالحا والذين آمنوا معه.

وأما صالح والجماعة الذين اتبعوه فقد توجهوا إلى مسجد صالح عليه السلام، فانجاهم الله جميعا من الصيحة التي قضت على المستكبرين الكافرين من ثمود، وماكان من نبي الله صالح عليه السلام، إلا أن رحل من الأرض التي حل عليها غضب الله مصطحبا معه جماعته، وتوجهوا شمالا باتجاه فلسطين، وحطوا رحالهم في مدينة الرملة، ويذكر أن نبي الله صالحا عليه السلام، حج بيت الله ملبيّا وقد مر بوادي عسفان، الذي مر فيه قبله النبي هود عليه السلام .

ويقال أنه عليه السلام، ترك بلاد فلسطين مارا بأرض الشام قاصدا إلى مكة المكرمة، فوصلها، وظل فيها يعبد الله حتى وافاه الأجل، ويقال: إنه ذهب إلى حضرموت من أرض اليمن إذ إن أصله من هناك، وتوفي فيها عن عمر يناهز الثمانية والخمسين، وفيها دفن، فسلام الله على نبى الله صالح إنه كان من المرسلين.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *