Share Button

إعداد وتقديم / محمــــد الدكـــرورى

نكمل مع نبى الله موسى عليه السلم، حيث لم يذكر القرآن اسم أم سيدنا موسى عليه السلام صراحة، ولم يَرد كذلك في السنة النبوية المطهرة، وقد اختلف العلماء في تحديد اسمها، فقيل إنها، محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل إنها، يوخابذ بنت لاوي بن يعقوب، وقيل إنها، يارخا، وقيل إنها، يارخت، وقيل غير ذلكـ وقد وُلِدَت وعاشت في مصر، وكانت كريمة الأصل، وعريقة المنبت، ومؤمنة صالحة، وقد تزوجت عمران بن قاهت بن لاوي بن سيدنا يعقوب عليه السلام.

وأما أخت سيدنا موسى عليه السلام هي مريم بنت عمران، وقد وافق اسمها اسم السيدة مريم أم عيسى عليه السلام وقيل إن اسمها كلثمة، وقيل كلثوم، وقد بيَّنت لنا الآيات القرآنيه موقفَ أخت موسى عليه السلام حيث ضربت لنا مثلا طيبا للبنت المطيعة لأمها وللأخت الفاضلة المحبة لأخيها، وللفتاة الذكية الحكيمة، القادرة على مواجهة المواقف بإيمان وثبات وبحكمة وسرعة بديهة، وكيف كان لها الأثر الكبير في نجاة سيدنا موسى عليه السلام، وتجلّى ذلك واضحا وهي تقص أثر أخيها في حيطة وحذر، وتتحدث مع آل فرعون في ثبات وحكمة وبلاغة وفطنة، وقد كرّمهما الله عز وجل بهذا العمل وأنزل في شأنهما قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.

وقد ذكر أهل العلم أن نبي الله موسى بن عمران عليه السلام، قد تزوج ابنة الشيخ الذي التقى به في مدين، وكان قد تعرف عليها وعلى أختها حين بادرهما المساعدة وسقى لهما الغنم، فذكرتاه بخير أمام والدهما وقد كان شيخا كبيراً، فعرض عليه الشيخ أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يأجره ثماني سنين فيرعى له الغنم، وبالفعل فقد تزوج موسى إحدى الابنتين، وقيل إن اسم زوجة نبى الله موسى عليه السلام، هو صفورا، وقيل: صفوريا، وقيل: صفوره، وهي إحدى ابنتي الرجل الصالح الذي عرض الزواج على موسى عليه السلام، واختلف العلماء في نبوّة والدها، فقال الحسن البصري ومالك بن أنس وغيرهما بأنه نبي من أنبياء الله عليهم السلام وهو شعيب وهو القول الأشهر بين أقوال العلماء.

وبينما قال ابن كثير وغيره أن الرجل الصالح هو ابن عم نبي الله شعيب أو ابن أخيه، أو أنه رجل صالح من قومه، وذكر ابن عاشور في كتاب التحرير والتنوير أن موسى عليه السلام، بعد أن خُيّر بين الفتاتين اختار الصغرى، لأنها أرشدته إلى طريق والدها، فعرف منها حيائها وأخلاقها فرجّحها على أختها، ثم تزوجها، وقد أنجبت له غلامين لم يُذكر اسمهما، حملهما وأمّهما بعد انتهاء مدّة أجرته للشيخ عائدا بهم إلى مصر، وقد ورد ذكر زوجة موسى عليه السلام، في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: ( فجاءته إحداهما تمشى على إستحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) فذكرها القرآن الكريم بحيائها، وورد تفسير الآية بأن الفتاة جاءت ساترة وجهها حياء.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنها سترت وجهها بكُم درعها أو كمّ قميصها، وورد أيضاً أنها غطّت وجهها بكلتا يديها، وورد في تفسير القرآن للطبري من إحدى الروايات أن الفتاة مشت بين يدي موسى عليه السلام، فضربها الريح فبانت عجيزتها، فقال لها موسى عليه السلام: امشي خلفي، ودلّيني على الطريق إن أخطأت، وورد في رواية أخرى أن الفتاة حين أتت على استحياء من موسى عليه السلام، قال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، وأنا أمشي أمامك، فإنّا لا ننظر إلى أدبار النساء) كما أن من أخلاق زوجة موسى عليه السلام، برّها بوالدها والسعي إلى مساعدته وتخفيف المسؤوليات والأحمال عنه، فبالرغم من صعوبة رعي الغنم وسقايته، إلا أنها وأختها قمن بأداء العمل عن والديهما ولم يشغلاه به لكبر سنه،

وكانت القصه هى إنه لما خرج سيدنا موسى عليه السلام من أرض مصر يريد النجاة من كيد فرعون وجنوده، ولم يكن خروجه جُبنا لأن الأنبياء يستحيل عليهم الجبن، وتوجه عليه السلام إلى أرض مدين ماشيا على قدميه بغير زاد ولا دابة يركبها فكان يأكل ورق الشجر وهذا حال أنبياء الله الصبر عند الشدة والمصيبة والبلاء فلا يعترضون ولا يتسخطون على الله ولا يتخلّون عن الدعوة إلى الله، وسار موسى عليه السلام إلى مدين وبقي يمشي مسيرةَ ثمانيَة أيام حتى وصل إلى مدين وقد أتعبه الجوع فجلس تحت ظل شجرة فأبصر امرأتين وكانتا أختين ترعيان الأغنام وتريدان سقي أغنامهما من بئر كبيرة وكان الرعاة يسقون مواشيهم من هذه البئرِ والأختان تحبسان غنمهما عن الشرب من البئر ، لم ذلك ؟ لئلا يختلط غنمهما بغنم الآخرين ، فأشفق موسى عليه السلام عليهما.

وأشفق نبى الله موسى عليه السلام، عليهما وسألهما عن سبب تعهدهما لرعاية الغنم بأنفسهما فأخبرتاه بإن أباهما شيخ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له هذه الأغنام، ثم البئر بعد أن يسقي الرعاة أغنامهم يضعون عليها صخرة كبيرة هذه الصخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فماذا كان من موسى عليه السلام ؟ كان منه أن وضعَ قوة جسمه التي منّ الله عليه بها في طاعة ربه، في طاعة خالقه، في طاعة الله المطلع عليه ولا تخفى عليه خافية، فرفعها موسى عليه السلام وحده ثم استقى منها الماءَ وسقى لهاتين المرأتين غنمهما وردّ الحجر مكانه ثم انصرف عليه السلام إلى ظل شجرة وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكره، يدعو الله الذي مَنّ عليه بهذه القوة ويشكره على هذه النعمة العظيمة.

وهنا ننظر أنه دعت الرحمة من نبى الله موسى لسؤالهما عن سبب ابتعادهما عن السقي فأخبرتاه بأنهما تنتظران فراغ المورد من الرجال، وليس لهما رجل يسقي لهما إلا أب لا يقوى على ذلك لشيخوخته، فسقى لهما، وحرصت الفتاتان على تبليغ أبيهما بما فعله ذلك الرجل معهما، فأمر إحداهما أن تدعوه ليحضر إليه، فجاءت موسى تمشي بحياء شديد، ليجزيه أجر ما سقى لابنتيه، وعادت إلى أبيها ومعها الرجل كريم الخلق، الذي جاء ملبياً الدعوة، وأخبر موسى الرجل الصالح بقصته، فطمأنه وبشره بالنجاة من القوم الظالمين، وقالت إحداهما لأبيها استأجره ليرعى الغنم، لما وصفته بالقوة والأمانة.

ورضي الرجل الصالح بدين موسى وخلقه وأمانته ومروءته لما رآه منه عندما سقى لابنتيه وفر بدينه من الطغاة، وكذلك لثناء ابنته عليه، فرغب في مصاهرته، فعرض عليه الزواج بابنته ولأن موسى عليه السلام كان فقيرا فطلب صداقا لابنته عملا يؤديه إليه، ويخبر السياق بعد ذلك عن قبول موسى لعرض الرجل الصالح وعن إتمامه لأجل الإجارة، ثم مسيره بأهله بعد انقضاء المدة، واشتاق موسى للعودة إلى بلاده فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون، ورافقته زوجته ابنة الرجل الصالح، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة فنزل منزلا، ثم رأى نارا تضيء على بعد، فقال امكثوا حتى أذهب إليها أو آتيكم بقطعة منها لعلكم تستدفئون بها من البرد.

وورد أن موسى وأهله عندما كانوا في عتمة الليل ووحشة البرد يقطعون الأراضي مشيا على الأقدام لم يستطع موسى إشعال النار في هذه الأجواء، لكنه وجد نورا حسبه نارا من بعيد، فترك أهله في مكانهم وانطلق نحوها بغية أن يحصل على شيئا من النار، فما إن ابتعد عن أهله وولده حتى سمع كلام الله سبحانه وتعالى له، وفي تلك الرحلة التي انتقل فيها النبي موسى عليه السلام، من مدين إلى مصر عائدا إلى بلده، كان تكليم الله سبحانه وتعالى، لنبيه موسى عليه السلام، وإيحائه له بالنبوة والرسالة، ووصيته له أن يأتي فرعون داعيا إياه إلى إفراد العبادة والتوحيد لله تعالى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *