Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع نعمة الأمن والأمان، فإن صلاح الدنيا يعتبر من وجهين أولهما هو ما ينتظم به أمور جملتها، والثاني هو ما يصلح به حال كل واحد من أهلها، فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه، والماوردي عندما حدد قواعد صلاح الدنيا وانتظام عمرانها وهي عنده ستة أشياء في قواعدها وإن تفرعت فهى دين متبع، وسلطان قاهر، أي دولة قوية، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح، فإن الماوردي قد جعل الأمن العام القاعدة الرابعة من قواعد صلاح الدنيا وانتظام العمران، وعن هذه القاعدة الرابعة يقول وأما القاعدة الرابعة فهي أمن عام تطمئن إليه النفوس وتنتشر به الهمم ويسكن فيه البريء ويأنس به الضعيف.
فليس لخائف راحة ولا لحاذر طمأنينة، وقد قال بعض الحكماء إن الأمن أهنأ عيش, والعمل أقوي جيش,لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم ويحجزهم عن تصرفهم ويكفهم عن أسباب المواد التي بها قوام أودهم وانتظام جملتهم والأمن المطلق ما عم، وفي بيان قيمة الأمن وأهميته جعله المولي في بيوته، وعلي رأس المساجد الحرم المكي حيث قال تعالي فى سورة آل عمران ” إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين” ومعنى قوله تعالى ” ومن دخله كان آمنا” أى من التجأ إليه أمن من التعرض له بالأذى.
أو القتل وقال الله تعالى ” أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم” وفي ذلك إجابة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال كما حكى القرآن عنه “رب اجعل هذا بلدا آمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام” ولا شك أن فى أمن من دخل هذا البيت أكبر آية على تعظيمه وعلى علو مكانته عند الله عز وجل لأنه موضع أمان الناس فى بيئة تغرى بالاعتداء لخلوها من الزرع والنبات، وهكذا فإن العبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن، فالصلاة قال الله تعالى عنها فى سورة البقرة ” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون”
وقال تعالى فى سورة النساء “فإذا أطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا” وفى معنى قوله تعالى ” فإذا أطمأننتم فأقيموا الصلاة” أى أدوها بكمالها وصفتها التامة، وأيضا فإن من شروط وجوب الحج هو الأمن، فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق إليه آمنا فلا يجب عليه الحج قولا واحدا، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى” ولما أخبر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعدما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن فقال تعالى فى سورة الفتح ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا”
وإن انتشار الدعوة الإسلامية المباركة يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات، فقال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام فى سورة يونس ” فما آمن لموسى إلا ذرية على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين” ولكن لما أغرق الله فرعون ودمّر ما كان يصنعه وقومه دخل كثير من الناس في دين الله، ففي حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه سوادا عظيما فقال صلى الله عليه وسلم ” ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتى، فقيل هذا موسى وقومه” رواه البخاري ومسلم، وانظروا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *