Share Button

تُقدّر قيمة الأفراد بمقدار حركة الفكر فيها… …

كتب الدكتور كمال الحجام

يشرفني أن اخصص موازنتي هذه للحديث عن فقيد الساحة الفكرية والتربوية الأستاذ الدكتور أحمد شبشوب، ولعل من بين أهم الأسباب التي دفعتني لنحت هذا الأثر الكتابي، هو إيماني بأن هذه القامة الأكاديمية مثلت في تاريخ التربية في تونس كما في وطننا العربي لحظة فاصلة ومرحلة استثنائية. كيف لا والجميع المنشغل بالقطاع التربوي في بلدنا يدرك جيدا غزارة المادة المعرفية التربوية التي تجرّأت هذه الشخصية المفكرة أن تتيحها للجميع بلغة عربية ميسورة لم تكن متوفرة. ولعل سرّ نجاحها يكمن في أن هذه المؤلفات المنشورة كانت تحمل أجد المفاهيم وأحدثها وأهمها في فهم المسألة التربوية…إن هذه الموازنة تعطي الدليل الواضح على قناعتنا بساهمة هذا المفكر التربوي وعلى وعينا بضرورة تثمين المقدرات البشرية لمجتمع لا شك أنه في أمس الحاجة إلى جرعة أمل واستشراف للمستقبل يقوم على تثمين المكتسب وتقديره…
عديدة هي الشخصيات التربوية ذات الأثر البالغ في مسارات التفكير التربوي في بلادنا، وعديدة هي القامات التربوية ذات الشأن العلمي التي مرت بمجتمعنا تاركة ارثا تربويا مهما ساهم في تطوير المخزون المعرفي في قطاع التربية. فإذا كان طريق النجاح ميسورا لكل المبادرين والمجددين، فإن نهج التميّز لا يكون إلاّ منفردا بما توحيه الشخصيات الأكاديمية من إضافات نوعية تميزها. ونحن إذ نذكر فقديدنا الأستاذ الدكتور أحمد شبشوب في هذه الموازنة، فإننا لا نستثني بقية الباحثين المجددين التربويين، بقدر ما نسعى إلى إبراز تميزه في مجال الفكر والمعرفة كقامة أكاديمية مشهود لها.
يندرج الهاجس المعرفي للدكتور أحمد شبشوب، في إطار ما يميزه، ضمن الجهود الأكاديمية الباحثة عن أسباب العطالة العلمية للمجتمعات النامية، ويتمثل الهدف من وراء ذلك في محاولاته الجادة وسعيه الثابت ومساهمته الثمينة في ردم الفجوة الحضارية على مستوى التقدم المادي والتقني والاقتصادي بين العالم المتقدم والعالم النامي. ولقد مثل هذا الاهتمام الفكري مشغل العديد من الباحثين المتيقظين في وطننا كما في العالم العربي، هؤلاء الذين اختاروا لبلوغ ذلك منهج البحث الفكري وإرساء ثقافة العلم بحثاً عن الأدوات الفكرية التي تساعد الأفراد على بناء قراءة واعية في عوامل التطور وعلى تعزيز قدرتهم على استشراف مصير شعوبهم… إن الأعمال الفكرية المندرجة في هذا الإطار في مجملها تسعى إلى مصافحة الواقع وتأمله بأجهزة مفاهيمية ثاقبة لتنير الوضع ولتقارب الأسباب ولتؤول إحداثيات التطور العلمي والتقني الذي عرفته الشعوب ولتكشف عن موانع العطالة التي مثلت حاجزا للتطور في الدول النامية. ولعل الأهم في كل هذا وصولهم إلى تفسير الوضع القائم باعتبارات ثقافية مساعدة أو معطلة للتطور المنشود.
يشير الباحث الدكتور شبشوب في العديد من مؤلفاته إلى أن المتأمل في التحولات المصيرية في حياة الشعوب والأمم المتقدمة. يدرك بسرعة أن المسألة الثقافية كانت منطلق كل حركة تجديد، وأن النجاح يرتبط بقدرة الشعوب على فك الارتباط بعوامل العطالة الفكرية والإيمان بسلطة العقل . وهو ما أحدثته الثورة الفكرية منذ عصر التنوير في أوروبا ما بين القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي، والذي أدى فيما أدى إليه إلى تحوّلات نوعية في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي وغيرها من مجالات الفكر.
إن اهتمام الباحث والمفكر التربوي الدكتور أحمد شبشوب بالثقافة العلمية واعتبارها منطلقا أساسيا للوعي العلمي، أخذ شكلا واضحا في تفكيره بل ومثل الخيط الناظم لأفكاره التربوية في مجمل كتاباته، ولعل الأهم في هذا الجهد يتمثل في نقل هذه الاحداثيات الفكرية المعاصرة في فهم القضايا التربوية إلى عامة المشرفين في هذا القطاع والفاعلين فيه. وقد اعتمد في ذلك بوعي كامل أسلوب التبسيط للمعرفة التربوية والعمل على تقريبها من عامة المربين في محاولة منه لجعل مبادئ هذه الثقافة الجديدة قابلة للإدراك والاستيعاب من قبل العامة. ولقد ساهمت هذه الحركة الفكرية التي عايشت محاولات جدية أخرى لا تقل أهمية من قبل العديد من الباحثين التربويين من تونس ومن الوطن العربي عامة في مساعدة المربين على فهم قضاياهم التربوية وانشغالاتهم البيداغوجية، بل ومكنتهم من رسم حركة تطوير ومن خلق حالة وعي بقيمة التربية والتعامل معها كمشغل اجتماعي ثقافي ذي أهمية. وقد ساهم ذلك في توليد حركات فكرية حول واقع التربية وسبل تطويره انطلاقا من فهم مكوناته وآليات اشتغاله،
ومهما كانت مصاعب الوضع التربوي الحالي في تونس اليوم عديدة وخطيرة، فإن ما يفتح لنا أبواب الأمل هو وعي نخبتنا التربوية وإدراكها أن تطور محركات نمو المجتمع التونسي تقوم في ما تقوم عليه على تبني ثقافة علمية ونشر مبادئها، و يعني هذا في جوهره تثمين الحداثة الفكرية وتنزيلها من بين المحركات المحورية للتطور الحضاري في منجزه وتوظيف مخرجاته. وبالتالي فإن الثقافة العلمية وما تحمله معها من مبادئ، تعزز قناعتنا بأنها محركات تحويل تستهدف عقلاً اجتماعياً وتوقظ وعيا مجتمعيا يعتبره المختصون وسيلة حياة وتقدم ونماء. وبهذا يمكننا القول أن الباحث الدكتور أحمد شبشوب إلى جانب بقية الأكاديمين المجددين قد ساهموا في تقديرنا في خلق مزاج علمي عام، وإطار ثقافي مثمن هو بمثابة المراشح النوعية المساعدة اليوم على فهم مسار التحولات التربوية التي يمكن ان يبنيها العقل التربوي التونسي. وهو لعمري في حد ذاته لمنجز حضاري هام يدفع باتجاه توطين أسباب التنمية الشاملة والمستدامة. إن المتأمل في سيرورة المجتمعات المتقدمة وفي كيفية بنائها لنماذج التطوير اليي عرفتها يدرك أنها قد جعلت من العلم منهج تفكير، ومن المنهج العلمي أداة لقراءة الواقع وتغييره، ومن الواقع في تجلياته الحقيقية ميدانا للاشتغال.
بهذا المعنى ندرك إضافة الدكتور أحمد شبشوب، وبهذا نعتبره مجددا كان افضل شاهد تربوي على عصره، وبهذا نثمن إضافات الجادة في الحقلىالتربوي، وبهذا يمكننا تجديد تقديرنا لمواردنا البشرية، وبالتوقف عنده نحن نثمن كل الخبرات التونسية التي ساهمت في بناء الواقع التربوي التونسي المطلوب تحويله اليوم أكثر من أي وقت مضى.
د/ كمال الحجام
7 ماي 2023
Peut être une image de 4 personnes et texte
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *