Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي الكثير عن الإمام أبو حيان الأندلسي، وقيل أنه يُلاحظ من منهج أبي حيان في تفسيره أنه لا يُحمّل النص القرآني ما لا يحتمل، ولا يخرج به عن ظاهره إلا لدليل يقتضي هذا الخروج، ولذلك وجدناه لا يعرض في تفسيره لأقوال أهل الفلسفة، ولا يُعرّج لا من قريب ولا بعيد على أقوال الفرق الباطنية، التي تعتمد التأويل المرجوح لآيات القرآن الكريم، والمتأمل في هذا التفسير، يلمس أن أبا حيان رحمه الله كان في منهجه بعيدا عن أقوال أهل الفلسفة، وبريئا من مذهب أهل الاعتزال غير أنه في المقابل لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات، وإن ظهرت عنده بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة في ذلك.
هذا وقد اعتمد أبو حيان في جمع مادة تفسيره على كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير لابن النقيب، كما أنه كان كثيرا ما ينقل عن الزمخشري، وابن عطية، خاصة في مسائل النحو، ويتعقبهما في كثير من المسائل، مع اعترافه لهما بمنزلتهما العلمية، وحاصل القول فيما تقدم إن هذا التفسير يُعد من التفاسير المدرجة ضمن التفاسير بالرأي وقد عرفنا أن مؤلفه اعتمد أساسا على جانب اللغة العربية، نحوا وصرفا، في تفسير القرآن الكريم، وهذا للعقل فيه مدخل كما لا يخفى على القارئ، وهكذا كان أبو حيان الغرناطي من كبار العلماء باللغة العربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات، فقد قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث ببلاد الأندلس وإفريقية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا.
واجتهد وطلب وحصل وكتب، وله إقبال على الطبلة الأذكياء وعنده تعظيم لهم، ونظم ونثر، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم، وأقرأ الناس قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وأشياخا في حياته، فقال عنه الصفدي ولم أري في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك، كما مدحه بكلام جميل فقال كان أمير المؤمنين في النحو، والشمس السافرة شتاء في يوم الصحو، والمتصرف في هذا العلم، فإليه الإثبات والمحو.
لو عاصر أئمة البصرة لبصرهم، وأهل الكوفة لكف عنهم اتباعهم الشواذ وحذرهم، نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدا، وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدا، وجعل سرحة شرحه وجنة راقت النواظر توريدا، ملأ الزمان تصانيف، وأمال عُنق الأيام بالتواليف، فكان أبو حيان الغرناطي شيخا حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، كان أولا يرى رأي الظاهرية، ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه، وبعد رحلاته في طلب العلم وانتقاله من بلد إلى آخر أقام بالقاهرة، وتوفي فيها بعد أن كف بصره، فعاش الإمام أبو حيان الأندلسي في القاهرة.
حتى توفي في منزله خارج باب البحر بظاهر القاهرة في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة سبعمائة وخمس وأربعين من الهجرة الموافق عام ألف وثلاثمائة وأربع وأربعين من الميلاد، ودُفن بمقابر باب النصر شمال القاهرة.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *