Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع حصار شِعب أبو طالب، فقد تجرع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم مرارة هذا الحصار الشديد، فكانوا يأكلون ورق الشجر وما يجدونه، حتى قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ” خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا ” ومع ذلك صبروا وثبتوا، فكانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لهم على الصبر عاملا مهما من عوامل الصمود والتحدي أمام الباطل وأهله، فالنصر مع الصبر، والبلاء سُنة ماضية، وأهل الإيمان لا بد أن يتعرضوا للفتن تمحيصا وإعدادا، ومن ثم تجلت التضحيات والمواقف في الثبات على الدين والدعوة.
والقيم عند الصحابة الكرام طوال حياتهم، ومن دروس هذه المقاطعة هو رد الجميل لأصحابه، ومكافأة المحسنين على إحسانهم، وهذا خُلق حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال “من أتى إليكم معروفا فكافئوه” الطبراني، فبعد انتهاء هذه المقاطعة، كان النبي صلى الله عليه وسلم مقدرا لأصحاب المواقف الإيجابية مع المسلمين، وكافأهم عليها، فأما عمه أبو طالب فقد قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك، فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال صلى الله عليه وسلم “هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار” رواه البخاري وقيل أن هشام بن عمرو أسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم.
من غنائم معركة حنين دون المائة من الإبل، وأما أبو البختري فقد كان في صف المشركين يوم بدر فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، وأما المطعم بن عدي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر من المشركين ” لو كان المُطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتن لتركتهم له” رواه البخاري، ولفظ أبي داود قال صلى الله عليه وسلم “لأطلقتهم له” وقال ابن حجر بأن ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين.
حين حصروهم في الشعب، وعلى الرغم من هذه المقاطعة الظالمة والمؤلمة، وما أصاب المسلمين من أثرها من معاناة وآلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن دعوته، فقد كان يخرج يتلقى من يقدم إلى مكة للحج، ويعرض عليهم الإسلام، كما كان يعرض ذلك على من يتصل به من قريش، ولما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر أن ينزل في خيف بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، وليؤكد قضية انتصار الحق واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين، فحينما سئل النبى صلى الله عليه وسلم في حجته أين تنزل غدا؟ قال صلى الله عليه وسلم.
“نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، المحصب، حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريش على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم” رواه البخاري، والخيف هو المكان الذي اجتمعت فيه قريش لعقد مقاطعتهم الظالمة، وقد قال ابن حجر قيل إنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه، فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم، وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا، على رغم أنف من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” فإن هذا الحصار الظالم الذي فرضه العدو على المسلمين، كان من التحديات التي واجهت المسلمين قديما وحديثا.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *